Monday, July 21, 2008

العظماء مائة و اعظمهم محمد عليه الصلاة و السلام


المائة الأوائل

*إن اختيار محمد صلى الله عليه وسلم ليكون في رأس القائمة التي تضم الأشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات، إن هذا الاختيار ربما أدهش كثيراً من القراء إلى حد أنه قد يثير بعض التساؤلات، ولكن في الاعتقاد أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي.

-لقد أسس محمد صلى الله عليه وسلم ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام. ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً تقريباً على وفاته فإن تأثيره لا يزال قوياً وعارماً.
-إن أكثر الأشخاص الذين سيقابلهم القارئ في هذه الرحلة كان لهم ميزات فائقة بكونهم قد ولدوا ودرجوا في مراكز حضارية وترعرعوا في أحضان أمم ذات سمات ثقافية وسياسية واجتماعية بالغة الأهمية.

-أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد ولد عام 570م في مدينة مكة جنوبي شبه الجزيرة العربية التي كانت في ذلك الوقت منطقة نائية عن الحضارة وبعيدة عن المراكز الحيوية، سواء كانت تجارية أو فنية أو علمية في العالم. ولما كان قد ذاق مرارة اليتم وهو في السادسة من عمره فإنه قد ربي في محيط متواضع وعرف أنه كان أمياً. وقد تحسنت حالته الاقتصادية عندما تزوج وهو في الخامسة والعشرين من أرملة ثرية ( أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ).

- لقد كان معظم العرب في ذلك الزمن وثنيين يؤمنون بتعدد الآلهة، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم بدأ ينادي بوجود إله واحد قاهر قادر يسيطر على الكون بأسره. وعندما بلغ الأربعين جاءه الوحي الذي أخبره أن الله قد اختاره لنشر الدين القويم.
- ولمدة ثلاث سنوات كان محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام أصدقاءه المقربين وحوالي عام 613م بدأ بالدعوة العلنية.
- وحالما بدأ أتباعه يزدادون، شعرت قبائل قريش بالخطر، وبدأت تعتبره شخصاً مهدداً لنفوذها مما اضطره للهجرة في عام 622م من مكة إلى المدينة ( وهي على بعد 200 ميل شمالي مكة ) حيث رحب به أهلها وقدموا له الإجلال والتأييد وأصبح له نفوذ سياسي لا بأس به.

- كانت الهجرة هي نقطة الانطلاق بالنسبة لحياة محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان لديه في مكة أتباع قلائل، أما في المدينة فقد كثر أتباعه وسرعان ما حصل على نفوذ جعله الحاكم المطلق هناك. وفي خلال السنوات القليلة التي تلت، وبينما كانت سلطة محمد صلى الله عليه وسلم تنمو بسرعة متزايدة حصلت سلسلة من المعارك بين مكة والمدينة انتهت بانتصار محمد صلى الله عليه وسلم الساحق وفتحه مكة ورجوعه إليها في عام 630م.
- وقد شهدت السنتان والنصف اللتان بقيتا له وهو على قيد الحياة دخول الأعداد الضخمة من القبائل العربية إلى الدين الجديد.

- وعندما توفي محمد صلى الله عليه وسلم في عام 632م كان هو الحاكم الفعلي لجميع شبه جزيرة العرب الجنوبية.
- وكان للقبائل العربية في الجزيرة شهرة بتمرس فنون القتال والحروب، ولكن عددهم كان ضئيلاً وكانوا مبتلين بالتفرقة والحروب القبلية الضروس، ولذا لم يكن من السهل أن يكونوا أنداداً للجيوش الجرارة التي كانت تمتلكها الممالك في المناطق الزراعية المستقرة في الشمال.
-ومع هذا فإنهم عندما توحدوا تحت راية محمد صلى الله عليه وسلم لأول مرة في التاريخ وارتشفوا تعاليم الدين الجديد الذي زادهم حماساً وإيماناً بالإله الواحد فإن هذه الجيوش العربية الصغيرة قامت بسلسلة من فتوحات ليس لها مثيل في تاريخ البشرية.

-وكان يقع على تخوم بلاد العرب الشمالية الإمبراطورية الفارسية الساسانية الجديدة، وإلى الشمال الغربي كانت تقع الإمبراطورية البيزنطية أو الإمبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية.
-وإذا اعتبرنا القيمة العددية فإن العرب لم يكونوا بأية حال أنداداً لخصومهم ولكن هؤلاء العرب الملهمون استطاعوا وبسرعة أن يفتحوا كل منطقة ما بين النهرين وفلسطين وسوريا.
-وفي عام 642م استطاعوا أن ينتزعوا مصر من حكم الإمبراطورية البيزنطية، بينما سحقت جيوشهم في معارك حاسمة الجيوش الفارسية في القادسية ونينوى عام 642م.
- ولكن حتى مع هذه الانتصارات الضخمة التي تمت على أيدي وتحت قيادة خلفاء محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه المخلصين، أبي بكر وعمر بن الخطاب فإن هذه الانتصارات لم تكن خاتمة المد العربي. ففي عام 711م كانت الجيوش العربية قد اجتاحت وبشكل كامل شمالي أفريقية ووصلت إلى المحيط الأطلسي وهنالك اتجهوا شمالاً وبعد أن عبروا مضيق جبل طارق تغلبوا على مملكة القوط الغربيين في أسبانيا.

- ولبرهة من الزمن كان يبدو وكأن العرب سوف يجتاحون جميع أوروبا المسيحية. ولكن وفي عام 732م وفي معركة تورز إنكسر الجيش الإسلامي الذي كان قد تقدم ووصل إلى أواسط فرنسا على يد جيش الفرنجة وبالرغم من ذلك فإنه وفي قرن شحيح من القتال استطاعت هذه القبائل العربية التي كانت تلهمها كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم أن تظفر بتأسيس إمبراطورية تمتد من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي وهي أعظم إمبراطورية شهدها العالم حتى ذلك الوقت.
- وحيثما كانت تصل الفتوحات كان يتبعها اعتناق عدد كبير من الناس للدين الجديد على أوسع نطاق.
- ولكن لم تكن كل هذه الفتوحات لتثبت مع الزمن فإن الفرس مع أنهم ظلوا مخلصين للدين الجديد إلا أنهم استعادوا استقلالهم عن العرب.

-أما في أسبانيا فإن سبعة قرون ونيف مضت في حروب انتهت باستعادة المسيحيين لجميع أرجاء شبه الجزيرة، ولكن منطقة الرافدين ومصر وهما مهدا الحضارة القديمة بقيتا عربيتين كما بقي الساحل الشمالي الأفريقي بأكمله عربياً، وقد استمر الدين الجديد بالانتشار في القرون التالية إلى ما وراء تخوم الفتوحات الإسلامية فهنالك في الوقت الحاضر عشرات من الملايين من معتنقي الدين الإسلامي في آسيا الوسطى وحتى أكثر منهم في الباكستان وشمال الهند واندونيسيا.
- وفي اندونيسيا كان الإيمان الجديد عاملاً من عوامل الوحدة وأما في شبه القارة الهندية فإن النزاع المستمر بين المسلمين والهندوس هو أحد العثرات في سبيل الوحدة.

* إذن كيف يمكننا أن نقيم أثر محمد صلى الله عليه وسلم الكلي على التاريخ البشري؟
- كجميع الأديان فإن الإسلام له نفوذ هائل على أتباعه وحياتهم. فـ محمد صلى الله عليه وسلم لعب دوراًُ مهماً في تطوير الإسلام وكان مسئولا عن العقيدة الإسلامية ومبادئها الرئيسية الأدبية والأخلاقية. وبالإضافة إلى ذلك فقد لعب دوراً قيادياً في الهدي للدين الجديد وتأسيس الفروض الدينية في الإسلام وهو الذي أنزل عليه القرآن (الكتاب الإسلامي المقدس) وهو مجموعة من الآيات ذات البصيرة النافذة التي أوحيت إليه مباشرة من قبل الله (سبحانه وتعالى).
-ومعظم هذه الأقوال دونت وسجلت خلال حياة محمد صلى الله عليه وسلم ثم إنها جمعت بشكل رسمي موثوق بعد وفاته بفترة وجيزة.ولذلك فإن القرآن يمثل الأفكار والتعاليم التي أوحاها الله للرسول صلى الله عليه وسلم.

- ومحمد صلى الله عليه وسلم كان زعيماً دنيوياً فضلاً عن أنه زعيم ديني، وفي الحقيقة إذ أخذنا بعين الاعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الأجيال.
- هنالك كثير من الحوادث التاريخية الهامة من المحتمل أن يقول المرء أنها حتمية الحدوث وكانت ستحدث رغم عدم وجود الزعيم الذي قادها، وعلى سبيل المثال فإن المستعمرات الأمريكية في أميركا الجنوبية كانت ستنال استقلالها حتى ولو لم يعش سيمون بوليفار، ولكن هذا لا ينطبق على الفتوحات العربية وذلك لأنه لم يحدث أي شيء مشابه لهذا قبل محمد صلى الله عليه وسلم وليس هنالك من سبب يحدونا للاعتقاد أنها كانت سوف تحرز بدونه.
-فالفتوحات المشابهة في تاريخ البشرية هي فتوحات المغول في القرن الثالث عشر التي كانت ناتجة بشكل أساسي عن شخصية جنكيز خان، إلا أن هذه الفتوحات مع أنها كانت أوسع من الفتوحات العربية إلا أنها لم تكن دائمة وراسخة كتلك، وفي الوقت الحاضر فإن المناطق التي يحتلها المغول هي فقط تلك المناطق التي كانوا يشغلونها قبل جنكيز خان.

- وهنا يختلف الحال تماماً عنه بالنسبة للفتوحات العربية، فابتداء من العراق حتى مراكش تمتد سلسلة من الأمم العربية يوحدها ليس فقط الدين الإسلامي ولكن أيضاً اللغة العربية والتاريخ والثقافة المشتركة، وإن مركز القرآن في الدين الإسلامي وكونه مكتوباً باللغة العربية كان له أكبر الأثر في منع تفتت اللغة العربية إلى لهجات لا يفهم بعضها بعضاً، مما كان حدوثه ممكناً جداً لولا وجود القرآن خلال الثلاثة عشر قرناً الماضية.
- وإن هناك اختلافات وانقسامات بين تلك الدول العربية موجودة ولها اعتباراتها الخاصة ولكن هذه الانقسامات الجزئية يجب ألا تحجب عنا العناصر الهامة للوحدة التي استمرت في الوجود عبر السنين.

- ومن هذا نرى أن الفتوحات العربية التي تمت في القرن السابع استمرت لتلعب دوراً هاماً في تاريخ البشرية حتى يومنا هذا، وأن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً يخول محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية.

No comments: